مأساة قبالة اليونان.. فاجعة هجرة ضحيتها 27 شاباً بين قتيل ومفقود

مأساة قبالة اليونان.. فاجعة هجرة ضحيتها 27 شاباً بين قتيل ومفقود
الهجرة غير الشرعية- أرشيف

تحولت رحلة بحث عن أمل إلى مأساة إنسانية قاسية، بعدما غرق قارب للهجرة غير الشرعية كان يقل عشرات المهاجرين، بينهم عدد كبير من المصريين عند ساعات الفجر الأولى ليوم الثلاثاء جنوب جزيرة كريت اليونانية.

وأسفر الحادث عن مصرع وفقدان 27 مصرياً من الشباب وصغار السن، إضافة إلى 5 أشخاص من جنسيات أخرى، في مشهد أعاد إلى الواجهة واحدة من أكثر القضايا إيلاماً في منطقة البحر المتوسط.

الخبر انتشر بسرعة في القرى والنجوع المصرية التي ينحدر منها الضحايا، ليخيم الصمت والحزن على بيوت كانت تنتظر عودة أبنائها محملين بالأحلام، فإذا بها تستقبل صوراً للجثامين المفقودة وأسماءً في قوائم الغرقى، وفق شبكة العربية الإخبارية.

تحرك دبلوماسي ومتابعة 

في بيان رسمي أكد السفير عمر عامر سفير جمهورية مصر العربية لدى اليونان أن السفارة تتابع تطورات الحادث الأليم على مدار الساعة بالتنسيق الكامل مع السلطات اليونانية. وأوضح أن الجهود تركز على التعرف على هويات الضحايا والمفقودين، وإنهاء الإجراءات القانونية اللازمة، إلى جانب تقديم الدعم المعنوي لأسر الضحايا.

السفير تقدم بخالص العزاء والمواساة لعائلات الضحايا، مشيراً إلى أن السفارة على تواصل مباشر ومستمر مع أهالي المفقودين للرد على استفساراتهم وإطلاعهم على أي مستجدات.

ووفق المعلومات المتوفرة تم حتى الآن تحديد هوية 14 مواطناً مصرياً لقوا حتفهم. وبينما يجري العمل على إعادة جثمانين إلى مصر، لا يزال 13 مصرياً في عداد المفقودين، وسط مخاوف متزايدة من ارتفاع عدد الضحايا من المهاجرين مع استمرار عمليات البحث.

تفاصيل الرحلة الأخيرة

بحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية المصرية، فإن القارب المنكوب انطلق من إحدى الدول المجاورة متجهاً إلى اليونان في 7 ديسمبر، وعلى متنه 34 مهاجراً غير نظامي من جنسيات مختلفة، وسرعان ما تحولت الرحلة التي بدأت ليلاً بهدف تفادي الرصد الأمني، إلى سباق مع الموت في عرض البحر، حيث تشير المعطيات الأولية إلى أن القارب كان متهالكاً وغير مجهز لتحمل ظروف الإبحار، خاصة في ظل التقلبات الجوية في هذا الوقت من العام.

الوزارة أكدت أن بين ركاب القارب 14 مصرياً لقوا حتفهم، في حين لا تزال عمليات البحث جارية عن المفقودين بالتعاون مع خفر السواحل اليوناني.

وزير الخارجية بدر عبد العاطي كلف الجهات المعنية بسرعة التواصل مع السلطات اليونانية لتسريع شحن جثامين الضحايا بعد الانتهاء من الإجراءات القانونية والطبية، كما باشرت السفارة المصرية في أثينا التواصل مع أسر المتوفين لترتيب نقل الجثامين إلى أرض الوطن، في خطوة تهدف إلى تخفيف جزء من معاناة العائلات التي تعيش صدمة الفقد.

وأعلنت السفارة المصرية في اليونان أسماء الضحايا المصريين، مشيرة إلى أنهم ينحدرون من محافظتي الشرقية والمنيا، وهما من أكثر المحافظات التي عرفت تاريخياً بارتفاع معدلات الهجرة غير النظامية بين الشباب، بسبب الفقر وقلة فرص العمل.

نداءات متكررة وتحذيرات

جددت وزارة الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج مناشداتها للمواطنين بضرورة عدم الانسياق وراء شبكات الهجرة غير الشرعية التي تستغل أوضاع الشباب الاقتصادية وتغريهم بوعود كاذبة عن حياة فُضلى في أوروبا، وأكدت الوزارة أن هذه الرحلات تشكل خطراً حقيقياً على الأرواح، داعية إلى الالتزام بالمسارات القانونية للسفر والهجرة من خلال الحصول على تأشيرات رسمية وعقود عمل معتمدة.

البيان شدد على أن الدولة المصرية لن تدخر جهداً في مساندة مواطنيها في مثل هذه الظروف الإنسانية الصعبة، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى تحمل المسؤولية الجماعية لمنع تكرار هذه المآسي.

وفي القرى التي خرج منها الضحايا، تعيش الأسر ساعات ثقيلة بين الأمل واليأس، بعض العائلات تلقى تأكيداً بوفاة أبنائهم، وبدأت الاستعداد لاستقبال الجثامين، في حين لا تزال عائلات أخرى معلقة بخيط رفيع من الرجاء في العثور على أبنائها أحياءً. مشاعر مختلطة من الصدمة والإنكار والغضب تسود المشهد، خاصة في ظل تكرار هذه الحوادث خلال السنوات الأخيرة.

أحد أقارب الضحايا قال "إن الشاب الذي فقد حياته كان يحلم فقط بفرصة عمل تضمن له كرامة العيش، لكنه وجد نفسه ضحية طريق بحري لا يرحم". كلمات تختصر مأساة جيل كامل يرى في الهجرة غير النظامية ملاذاً أخيراً من واقع اقتصادي قاسٍ.

سلسلة حوادث متكررة

هذه الفاجعة ليست الأولى من نوعها، ففي شهر يوليو الماضي لقي 13 مصرياً مصرعهم في غرق قارب هجرة غير شرعية قبالة سواحل ليبيا، أثناء محاولتهم الوصول إلى السواحل اليونانية، وقبلها شهد البحر المتوسط عشرات الحوادث المشابهة، راح ضحيتها آلاف المهاجرين من دول إفريقيا والشرق الأوسط.

التقارير الدولية تشير إلى أن طرق الهجرة عبر وسط وشرق المتوسط تعد من أخطر المسارات في العالم، حيث يواجه المهاجرون مخاطر الغرق والاستغلال والعنف، في ظل اعتمادهم على قوارب متهالكة يديرها مهربون لا يهمهم سوى الربح.

تشكل الهجرة غير الشرعية من دول جنوب وشرق المتوسط إلى أوروبا واحدة من أعقد القضايا الإنسانية في العقد الأخير، وتشير بيانات منظمات دولية إلى أن آلاف المهاجرين يفقدون حياتهم سنوياً أثناء محاولات العبور البحري، خاصة عبر السواحل الليبية والتركية باتجاه اليونان وإيطاليا. ولا تزال مصر، رغم الجهود الرسمية المبذولة للحد من الظاهرة عبر تشديد الرقابة الساحلية وتوفير بدائل قانونية للهجرة، تتأثر بهذه الظاهرة نتيجة عوامل اقتصادية واجتماعية.

وتؤكد تقارير أممية أن الحلول الأمنية وحدها غير كافية، وأن معالجة جذور المشكلة تتطلب استثمارات في التنمية المحلية، وتوسيع قنوات الهجرة النظامية، وتعزيز الوعي بمخاطر الرحلات غير الشرعية. وحتى يتحقق ذلك، سيظل البحر المتوسط شاهداً على قصص إنسانية موجعة، مثل مأساة قارب كريت؛ حيث انتهت أحلام شباب مصريين في ظلمات الماء، تاركة وراءها عائلات مكسورة وذكريات لا تغرق.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية